حماية العقل: الحياء من الله أسلوب حياة

قام الدكتور علي جمعة، مفتى الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، بنشر منشور جديد عبر صفحته الرسمية على فيس بوك، حيث ذكر فيه حديثًا عن سيدنا رسول الله ﷺ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ». وهذا يعكس أدبًا رفيعًا نادراً ما نشاهده في حياتنا اليومية، حيث نجد الكثير من الناس يتحدثون في أمور لا تعنيهم، ويتدخلون في مجالات ليست لهم، فيستند البعض إلى معلومات لا يعرفونها أو يتحدثون بما لا يُحسنونه. وكل ذلك يُحسب عليهم لا لهم. قال ﷺ: «كُلُّ كَلَامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لاَ لَهُ، إِلَّا أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ، أَوْ ذِكْرَ اللَّهِ».

وأضاف الدكتور جمعة: لقد استغرب بعضهم من ذلك عند سفيان الثوري رحمه الله، فقال لهم: لماذا الاستغراب؟! فالله سبحانه يقول: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ [النساء: 114]. وأيضًا: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا﴾ [النبأ: 38]. واستدل سفيان الثوري بهذه الآيات على صحة الحديث، مما يُظهر أن كل كلام ابن آدم يمسى عليه إلا في هذه الثلاثة.

وأكد على أن قول النبي ﷺ «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» هو دعوة للأدب مع الله. وقد سُئل سيدنا أبو ذر رضي الله عنه النبي ﷺ عن صحف إبراهيم، فقال ﷺ: «عَلَى الْعَاقِلِ أن يُخصص وقتًا: سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ، وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٌ يَتَفَكَّرُ فِيهَا فِي صُنْعِ اللَّهِ، وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا لِحَاجَتِهِ مِنَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ» [ابن حبان].

وأوضح أن الشخص العاقل هو من يهتم بأمور دينه ولا يلهو بأمور دنياه، ويستحي من الله. وأشار ﷺ إلى أن «الِاسْتِحْيَاءُ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبَلَاءَ، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ».

حقيقة الحياء

وأشار إلى أن حقيقة الحياء من الله سبحانه وتعالى تعني الحفاظ على الفكر وعدم الانشغال بما لا يرضيه، موضحًا أنه لم يقل: احفظ عينك أو لسانك من المعاصي، بل قال: *الرأس وما وعى*، ليشمل كل ما يتعلق بالفكر والتوجه. كما يجب على المسلم أن يتطهر باطنه لله حياءً منه، وأن يحرص على تناول الحلال، حيث قال ﷺ: «أطِبْ مَطْعَمَك، تكن مُستجابَ الدعوة».

كما ينبغي أن يذكر الموت، فذكر الموت يجعله أكثر تذكراً لله. وأيضًا التأمل في زوال الدنيا، فكما قال الله ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: 26–27].

وفي الختام، دعا الدكتور جمعة إلى الرجوع إلى آداب الإسلام، حيث أن الإسلام مليء بالجمال؛ فهو يدعو إلى المعروف ويحث على الطهارة وينهى عن القبح وضعف الحياء وسوء الأدب.