تباين المواقف الإيرانية: قبول الهدنة عبر قطر وتأزم الوضع

تظهر التطورات الأخيرة تناقضًا لافتًا في تصريحات حكومة طهران حيال موقفها من وقف إطلاق النار، مما يثير العديد من التساؤلات حول مصداقية الاتفاق المعلن عنه من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وفقًا لتقرير لوكالة رويترز، نقلًا عن مصدر إيراني رفيع، فإن طهران قد أبدت موافقة على وقف إطلاق النار مع إسرائيل بوساطة قطرية وبناءً على اقتراح أمريكي.

وأشار المصدر إلى أن هذه الموافقة جاءت بعد محادثة هاتفية بين رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني ومسؤولين إيرانيين، وقد تلاها هجوم صاروخي إيراني على قاعدة “العديد” الأمريكية في قطر.

وأبلغ ترامب أمير قطر بأن إسرائيل قد وافقت على الهدنة، وطلب من الدوحة أن تلعب دورًا في إقناع طهران بالالتزام، وهو ما تحقق لاحقًا وفقًا للوكالة.

من جهة أخرى، أكد مسؤول إيراني رفيع للقناة الأمريكية CNN أن إيران ستواصل القتال، معتبرًا أن تصريحات إسرائيل والولايات المتحدة بشأن التهدئة ليست سوى “خدعة”، وأن طهران ستزيد من هجماتها الانتقامية.

كما صرح المسؤول الإيراني بأن بلاده لم تتلقَّ أي عرض رسمي لوقف إطلاق النار، ونفى أن تكون قد وافقت على أي اتفاق، وهو ما يتناقض تمامًا مع رواية رويترز.

هذا التباين يعكس حالة من الارتباك الشديد في تصريحات إيران، حيث بينما تعتبر الوساطة القطرية خطوة دبلوماسية مهمة، تظهر البيانات المتناقضة أن الاتفاق ليس واضحًا أو رسميًا بالنسبة لطهران، مما يفتح المجال أمام تحليل المراقبين الإقليميين.

كان ترامب قد أعلن عبر منصة “تروث سوشيال” عن اتفاق “كامل ونهائي” لوقف إطلاق النار، يبدأ تنفيذه خلال ست ساعات، بحيث يلتزم الإيرانيون أولاً ثم الإسرائيليون بعد 12 ساعة، ليتم الإعلان عن النهاية الرسمية بعد 24 ساعة، مؤكدًا أن هذا الاتفاق حال دون اندلاع حرب كانت ستستمر “سنوات وتدمر الشرق الأوسط”. وأكد ترامب أيضًا على دور الوساطة القطرية، رغم أن طهران وتل أبيب لم يصدرا أي تأكيد رسمي حتى الآن.

جاءت هذه التطورات في وقت تصاعد فيه القصف المتبادل، حيث شملت آخر الهجمات ضربات إسرائيلية على منشآت في طهران وهجمات إيرانية مضادة، بالإضافة إلى إطلاق صواريخ نحو القواعد الأمريكية في قطر. ويعتبر المراقبون أن هذا التسلسل قد يكون خطوة أولى نحو تهدئة مؤقتة، خاصةً في ضوء التهديدات الإيرانية المستمرة.

وفي خضم هذا الوضع، لا تزال إيران تعتبر أن التهدئة مرتبطة بـ”وقف كامل للهجمات الإسرائيلية” أولاً، مما يشير إلى احتمال الرفض الرسمي لإملاءات خارجية تفرض أحاديًا.

هذا يجعل الاتفاق يبدو غامضًا، حيث يجمع بين التفاؤل الأمريكي والدبلوماسية القطرية من جهة، ومقاومة إيرانية من جهة أخرى.

سلط الاختلاف بين الروايتين الضوء على ضرورة وجود تصريحات رسمية موثوقة من طهران وضمانات تنفيذية مثل المراقبين أو آلية دولية.

حتى الآن، يبدو أن الاتفاق يشبه اتفاقًا “على الورق” أكثر مما هو واقع على الأرض. فإذا كانت الوساطة القطرية قادرة على منع اندلاع شامل في المنطقة، فإن التأكد من الموقف الرسمي لإيران – وليس فقط التصريحات الإعلامية – سيكون المعيار الحقيقي لنجاح التهدئة.

هذا التباين يجعل الاتفاق الهش موضع شك، في حين يظل الشعب الإيراني وشعوب المنطقة تحت ترقب دقيق لخطوة قطرية-أمريكية كانت حتى الأمس أكثر رمزية من كونها واقعية. فإذا ما التزمت طهران رسميًا – حتى وإن كان ذلك مشروطًا وموثقًا – فإنها ستكون فرصة لحل عالمي؛ أما إذا كانت التصريحات مجرد “خدعة” كما يقول المسؤول الإيراني، فإن التصعيد المحتمل لم يبدأ بعد، وربما نكون أمام صراع طويل الأجل لم يُحسم.