إنشاء غابة عملاقة للحد من انبعاثات الكربون

لا يُمكن للغابات المُنشأة أن تلغي انبعاثات الوقود الأحفوري بشكل فعلي. رغم أن زراعة الأشجار يمكن أن تقلل من تكاليف الكربون الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري، إلا أن دراسة جديدة تمت مراجعتها من قِبل أقران تُظهر ضخامة الجهد المطلوب لتحقيق ذلك.

لمعادلة احتياطيات أكبر 200 شركة في مجالات النفط والغاز والفحم، سيكون على العالم إنشاء غابة مُعدلة جينيًا تغطي حوالي 9.4 مليون ميل مربع، وهي مساحة أكبر من قارة أمريكا الشمالية بالكامل.

وصرح آلان نايف، الخبير الاقتصادي البيئي في كلية ESSEC للأعمال ومؤلف الدراسة: “إن التشجير بمثل هذا الحجم قد يجبر الناس على مغادرة أراضيهم وإزالة الموائل الحالية”.
وقد نُشرت الدراسة في مجلة Communications Earth & Environment.

التشجير وحده لا يمكنه إصلاح الانبعاثات

غالبًا ما يتم الترويج لعملية التشجير، أي زراعة غابات جديدة بشكل ممنهج، على أنها الوسيلة الطبيعية الأرخص لخفض انبعاثات الصناعة.

يجدر بالذكر أن الجيجا طن الواحد يعادل مليار طن متري، ومن المتوقع أن تطلق احتياطيات الشركات حوالي 673 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون إذا جرى حرقها.

تساءل الباحثون عما إذا كانت الأشجار قادرة على امتصاص هذه الكمية قبل عام 2050، وحسبوا مقدار الكربون الذي يمكن أن يمتصه الهكتار المزروع حديثًا. وكانت النتائج تشير إلى أنه سيكون هناك حاجة إلى 24.75 مليون كيلومتر مربع، أي ما يعادل حوالي 15% من المساحة اليابسة على كوكب الأرض.

حجم المشكلة

تحويل هذه المساحة إلى غابة يوازي مساحة 9.35 مليون ميل مربع، مما سيتطلب إزالة المزارع والمدن والنظم البيئية الحالية على جميع القارات ما عدا القارة القطبية الجنوبية.

حتى في حال تحديد المساحة المطلوبة، فإن الأشجار ستحتاج لسنوات طويلة حتى تنضج، وخلال هذه الفترة، ستظل ميزانية الكربون اللازمة للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى أقل من 1.5 درجة مئوية تتقلص.

تشير التقديرات إلى أن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تُحدد الميزانية المتبقية من الكربون العالمية بنحو 400 جيجا طن، وهو رقم أقل بكثير مما يمكن أن تطلقه شركات النفط الكبرى وحدها.

تكاليف تعويضات التشجير أعلى من عائدات النفط

لبحث ما إذا كانت الشركات تستطيع تحمل تكاليف التعويضات، استند الباحثون إلى متوسط سعر سوق الكربون في الاتحاد الأوروبي لعام 2022، الذي يتجاوز قليلاً 80 يورو (حوالي 90 دولارًا أمريكيًا) لكل طن، وهو ما أيدته تحليلات السوق.

عند هذا المستوى، ستظهر 95% من الشركات “تقييماً بيئياً صافياً” سلبياً.

توصل الباحثون إلى أن “ترك الوقود في الأرض سيكون أكثر ربحية من استخراجه وتعويضه لاحقًا”. وقد نظروا في خيارات تعويض الغابات الأرخص التي تتراوح حول 16 دولارًا للطن، وتقنية التقاط الكربون من الهواء التي تكلف حوالي 1000 دولار للطن، حيث سيغمر الخيار الأول ثلثي الشركات، بينما سيغمر الخيار الثاني جميعها.

لماذا الغابات ليست مجانية

حالياً، تُعتبر الغابات والتربة على الأرض بمثابة مصارف للكربون تمتص حوالي 30% من الكربون الذي نُصدره سنويًا. قد يبدو توسيع هذه المساحة أمرًا سهلاً، لكن العلم أثبت عكس ذلك.

تحتاج المزارع سريعة النمو إلى كميات كبيرة من المياه والعناصر الغذائية، مما يؤدي إلى تقليص التنوع البيولوجي. وفي المناطق الجافة أو المعرضة لحرائق الغابات، قد تتسبب حتى في زيادة درجات الحرارة المحلية.

أصبح معظم الأراضي المحددة في الحساب حالياً أراضٍ زراعية أو رَعوية، واستبدالها سيؤدي إلى نقص في إمدادات الغذاء، ومن المرجح أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

في ذات الوقت، قد تؤدي أحداث مثل ضربة برق، أو جفاف، أو غزو من الخنافس إلى إطلاق طنين من الكربون المخزن إلى الغلاف الجوي في موسم واحد.

أظهرت مجموعة نايف أن التكلفة الاجتماعية للكربون تبلغ 190 دولارًا للطن، وهي قيمة تعتبر قريبة جداً من أحدث تقديرات وكالة حماية البيئة الأمريكية.

بهذا السعر، يُعتبر تشغيل أي شركة كبرى في مجال الوقود الأحفوري مُنتجًا لقيمة سلبية للمجتمع، حتى قبل احتساب التحديات المتعلقة بالأرض أو العمالة أو السياسة.

الأراضي المخصصة للتشجير قيد الاستخدام بالفعل

غالبية الأراضي المتاحة للتشجير تم تخصيصها بالفعل لإنتاج الغذاء، أو السكن، أو المحافظة على التنوع البيولوجي.

في العديد من المناطق، لا يُعتبر فتح الأراضي أو الأراضي غير المشجرة “غير مستخدمة”، بل هي ضرورية للعديد من المجتمعات الأصلية والأنواع المحلية.
إذ أن اعتبار هذه الأراضي قابلة للاستهلاك من شأنه أن يقوض النظم البيئية والنظام الاجتماعي القائم الذي يعتمد عليها.

تتزايد المنافسة العالمية على الأراضي مع تزايد عدد السكان وتغير أنظمة الغذاء. يعني تحويل ملايين الأميال المربعة إلى مصارف للكربون خوض منافسة مباشرة مع الزراعة، مما يُهدد الأمن الغذائي العالمي.

حتى لو كانت عملية التشجير ممكنة تقنيًا، فإن التحديات السياسية والأخلاقية تجعلها حلاً غير قابل للتطبيق على نطاق واسع.

يجب أن يكون خفض الانبعاثات هو الأولوية

اكتسبت برامج التعويض شهرة بين الشركات التي تسعى إلى الظهور بمظهر واعٍ لقضايا المناخ دون تغيير نموذج أعمالها الأساسي. إلا أن الكثير من هذه البرامج تفتقر إلى الشفافية والاتساق والتحقق من المصداقية.

يؤكد النقاد أن هذه الإجراءات تساعد على استمرار التلوث تحت شعارات التنظيف في المستقبل، مما قد لا يتحقق أو يكون مُبالغًا فيه أحيانًا.

يُحذر نايف وزملاؤه من أن الاعتماد على التشجير كأداة رئيسية في مواجهة تغير المناخ يُبعد الانتباه عن الحاجة الملحة لخفض استخدام الوقود الأحفوري. ويؤكدون أن الأشجار قد تُساهم، لكن حسابات الكربون تُظهر الفجوة المطلوبة بشكل كبير.

يجب أن تكون تقليص الانبعاثات أولوية إذا كنا نرغب في تحقيق الأهداف العالمية لمكافحة المناخ. لا يزال التقاط الكربون من الهواء مهمًا، ولا يزال ترميم الغابات أمرًا ضروريًا لحماية الحياة البرية، لكن الدراسة تُظهر أن هذه الأدوات لا تستطيع تغطية كل كمية الكربون المُنتَجة.

إن الحفاظ على الاحتياطيات المؤكدة في الأرض لا يكلف شيئًا، ويوفر لنا الوقت للانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة، ويتجنب فواتير زراعة الأشجار المعقدة.