نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حصري فقط على تواصل نيوز - كيفية مواجهة سلطة الإقطاع التكنولوجي - تواصل نيوز, اليوم الأحد 15 يونيو 2025 11:59 صباحاً
تواصل نيوز - مازن عبّود
"ليس للسلطة جوهر، بل هي ممارسة، وتتجلّى في الخطاب، في المعرفة، والنظام الذي ينتج الحقيقة".
ميشال فوكو، إرادة المعرفة (Foucault, 1976/1990).
لا ترتكز الحضارات على البنى التحتية أو المؤسسات السياسية، بل على أنساق معرفية وخطابية تحدد ما يمكن التفكير فيه وما يمكن قوله.
الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو اعتبر أنّ الخطاب المتبع (Discourse) أي منظومة الأفكار والمفاهيم والممارسات اللغوية والاجتماعية التي تُشكّل فهمنا لواقع معيّن وتحدّد ما يمكن قوله والتفكير فيه حول هذا الواقع، يشكل مصدر السلطة. فهذا الخطاب ليس مجرد وسيلة تواصل فقط.
العالم في عصر "الإقطاع الرقمي" وفق Yanis Varoufakis(2020). وسلطة هذا الإقطاع هي في منظومة الأفكار والمفاهيم والممارسات اللغوية والاجتماعية التي بدأت تتحوّل لتكوّن سلطة الحوكمة الخوارزمية، وهيمنة المنصات الرقمية. بدأت الحقيقة تتحوّل إلى وجه نظر والهوية تضيع في غمار التحوّلات.
أسس حضارتنا مهددة والقيم المسيحية تحاصر أكثر فأكثر. الإنسان أضحى مجموعة بيانات، ويتم التعامل معه على أنه بيولوجي لا روحي. يتحوّل إلى مستهلك للأفكار. هذه المنظومة هي أدوات بسط النفوذ.
يستهلك الإنسان خطابا أمسى منظومة أفكار وأقوال تزعزع أسس الإيمان الأرثوذكسي، وهذه المسألة الأخطر والأهم، ويجب أن تتحوّل إلى التحدي الأبرز للرعاة الذين تتقوّض أدوارهم، وهم يسهمون في ذلك من دون أن يعلموا. أزمتنا مع السلطة الرقمية أنها تقوّض حرية الإنسان تحت مسمى حرية الوصول إلى المعلومات والتعبير والتصرف. الناس تلقن خطابا جديدا يلغي الهدف من وجودها ومسحتها الملوكية. والأزمة تكمن في أنّ المؤسسة الدينية غير مدركة أولوية هذا التحدي. الكثير من الرعاة غارقون في صراعات ما عادت تعني الناس كثيرا. فصار الناس يرونهم عالقين في التاريخ، وفي تحديات لا تعني الرعية، مما يصعّب مهمتهم ويجعلهم هامشيين في هذا العصر.
ثمة حاجة إلى خطاب وممارسات مسيحية جديدة لجبه هذه التحوّلات التي تهدد أسس الحضارة. يجب ألا نترك أو نساعد من دون أن نعلم سلطة العصر في تقويض الدور النبوي لإيماننا المسيحي عموما، والأرثوذكسي خصوصا. يجب ألا نبتعد عن هموم الناس وخطابهم ومداولاتهم، لأنّ في ذلك نهاية.
سلطة هذا العصر وفق فوكو، لا تقمع فقط، بل تنتج أنماطاً جديدة من الطاعة والانضباط الذاتي. فالمراقبة الرقمية تخلق أشخاصاً يراقبون أنفسهم ويُطوّعون ذواتهم. نمط يغتال الضمير الحي والتمييز الروحي. أسس حضارتنا تهمش، لا بل يتم الاستهزاء بها. لا يمكن إغفال تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي. في عصر اليوم شعوب تباد ويتم تجاهل صرخات استغاثتها.
على المؤسسة الدينية أن تتحوّل أداة مقاومة معرفية وأخلاقية للحفاظ على إنسانية البشرى. علينا إعادة رسم أدوارنا بما يتوافق مع قيمنا. انغلاقنا لا ينفع. ما ينفع هو حضور شجاع ومسؤول في حياة الناس، على أن نكون مسلحين بالتواضع المعرفي والحكمة الكنسية.
ما زال هذا ممكنا على الرغم من تراجعنا الديموغرافي والسياسي، فنحن مسلحون بقيم وذاكرة ومخزون روحي تؤهلنا لأداء أدوار إنقاذية.
علينا إعادة تفعيل حضورنا في الخطاب العام. لسنا ولن نكون أقلية خائفة، بل يجب أن نبقى صوت الحق والضمير ومخزون الإيمان. المقاومة الروحية ليست ترفاً، بل واجب حضاري وروحي.
نحتاج إلى استعادة الإنسان بصفته ذاتا حرّة، لا معطى بيانيا، وإعادة الاعتبار إلى الكلمة جسرا بين الأرض والسماء. ففي زمن اختلال المعايير وتشظي المعنى، الكنيسة الأرثوذكسية، بإرثها العميق، هي الجهة المخولة إنقاذ المعنى نفسه، وحماية جذور الحضارة من الذبول تحت سطوة الإقطاعية التكنولوجية.
الحقيقة الإلهية، كما يذكّرنا فوكو، لا تموت بقمعها، بل تموت حين لا تجد من يشهد لها بجرأة وإيمان.
مراجع:
Foucault, M. (1990). The History of Sexuality, Volume 1: An Introduction (R. Hurley, Trans.). Vintage Books. (Original work published 1976).
Varoufakis, Y. (2023). Technofeudalism: What killed capitalism. The Bodley Head.
0 تعليق