نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حصري فقط على تواصل نيوز - كليليه... حين تُعيد الكنيسة النبض إلى قرية منسية - تواصل نيوز, اليوم السبت 14 يونيو 2025 02:32 مساءً
تواصل نيوز - ماريانا ناهض
في قلب قضاء الشوف في محافظة جبل لبنان، وعلى تلة هادئة مطلة على وادٍ تكسوه أشجار الصنوبر والسنديان والزيتون، تقبع قرية صغيرة تُدعى كليليه.
ربما لا يعرفها كثيرون، فهي لا تضم أكثر من ثمانية منازل، ولا بلدية لها، لكن فيها من الحبّ والانتماء ما يفوق حجم وطن. وتقول الحكايات القديمة إن اسم القرية كان ذات يوم "كليلة ودمنة"، نسبة إلى القريتين المتجاورتين كليليه ودميت، يفصل بينهما نهر كان يُقال إنه ينقل الحكايا والأخبار من ضفة إلى أخرى. لكن ما لم تقله الحكايات هو أن هذه الضيعة الصغيرة كانت أقرب إلى الحلم، وأنها غابت عن الحياة قسراً لعقود طويلة.
نهار الأحد، في الخامس عشر من حزيران، عند الساعة الحادية عشرة والنصف قبل الظهر، سيقام القداس الأول في كنيسة قرية كليليه الصغيرة، والتي بُنيت قبل الحرب الأهلية بسواعد أبنائها وبقيت صامدة لعقود، تنتظر عودة أبنائها إليها، تُمثّل اليوم أيقونة حياة ومقاومة للزمن، وعودة الذاكرة الجماعية إلى الجذور.
ذاكرة محفورة في القلب
رغم أنني لم أزُر قريتي سوى مرات قليلة، تظل كليليه محفورة في وجداني منذ الطفولة. أحبها والدي حباً جمّاً، وتعلق بأرضها حتى الرمق الأخير. وُلد فيها، ولعب في أزقتها الترابية، وسبح في بركتها الصغيرة، وشرب من مياهها العذبة. لا أنسى كيف كان يحدثني عنها بشغف، ويحملها في قلبه رغم المسافات. حين هجّرت الحرب الأهلية أبناء الضيعة، هجروها جسداً، لكنها لم تفارق روحهم يوماً، وبقيت منازلها الحجر وأقبية العقد التراثية، شاهدة على الغياب.
حلم لم يمت
بعد انتهاء الحرب الأهلية والمصالحة في الشوف، عاد الأمل إلى القلوب وعادت قرية كليليه إلى أبنائها كسائر قرى الشوف. حلم والدي بإعادة الحياة إلى قريته لم يمت، بل حمله معه أبناء القرية الذين قرروا، رغم قسوة الظروف، أن يعودوا إلى أرضهم. بعضهم بدأ بزراعة الأرض مجددا، والبعض الآخر، كعمّي غازي، اختار أن يترك المدينة ويعود ليعيش في كليليه مع زوجته، متحدياً طريقاً وعرة لا تصل إليها إلا سيارات الدفع الرباعي.
طريق معطّلة ووعود انتخابية
لا بلدية في كليليه، بل مختار وحيد يدعى إميل ناهض، يعمل ليل نهار لتأمين الخدمات لأهل الضيعة. ورغم محاولاته المتكررة مع نواب ووزراء ومسؤولين، بقي طريق كليليه على حاله، غير معبّد، محفوفاً بالحفر والحجارة والوعود المتطايرة مع كل موسم انتخابي. ورغم كل ذلك، لم يتراجع أهل القرية، بل ازداد تعلّقهم بها يوماً بعد يوم.
كنيسة قديمة في التاريخ (خاص)
حجر فوق حجر... كنيسة مار شربل
لم يكن أمام الأهالي سوى الاعتماد على إيمانهم، ووضع أيديهم بيد الله والقديس شربل. فانطلقت حملة التبرعات، وشارك فيها من استطاع، ولو بالقليل. حجرًا فوق حجر، بدأت الكنيسة تنهض مجددا، بجهود أبناء كليليه، كلٌّ وفق اختصاصه وقدرته. وبمرور الوقت، وُلدت كنيستنا من رحم الأمل، وأطلقنا عليها اسم شفيع لبنان: كنيسة القديس شربل.

قرية كليليه
اليوم، يعمل أبناء القرية ليلاً ونهاراً لوضع اللمسات الأخيرة على الكنيسة. وقد تحوّل موعد الافتتاح إلى عُرسٍ وطني مصغّر. فبينما كان يُتوقع حضور نحو خمسين شخصاً، تجاوز عدد المدعوّين الثلاثمئة، من أبناء القرية وجيرانها ومحبيها. وقد قام شبّانها وشاباتها بتأمين سيارات الدفع الرباعي بأنفسهم، لنقل الزوّار إلى الكنيسة. إنه جيل جديد يتولّى اليوم متابعة المسيرة، بإيمان راسخ ومحبة لا تهتز.
يوم الأحد لن يكون يوماً عادياً. إنه اليوم الذي يعود فيه نبض قريتي، ويُقرَع فيه جرس طال انتظاره. هنيئاً لك يا أبي. هذا يومك. عادت قريتك إلى الحياة، وقرع الجرس هو صوت رجوع حلمك إلى أرضه. سأتابع القداس من الولايات المتحدة الأميركية، وقلبي هناك، مع أبناء قريتي. قلبي يغمره الفرح، وفيه رجاء لا يخبو، بأن والدي يرى من عليائه أن زرعه لم يذهب هباءً.
وفي الختام، يبقى الأمل أن تُعبّد الطريق قريباً، لتصبح كليليه في متناول كل من يشتاق إليها... قرية بحجم وطن، لا تقهرها المسافات، ولا تطفئ نورها السنوات.
0 تعليق