تواصل نيوز - لا حاجة لأن نبدأ بتعريف التعصب أو الأحكام المسبقة كما توردها القواميس، فغالبا ما يصعب تعريف المشاعر، لكن يسهل أن نميّزها عندما نختبرها أو نكون شركاء فيها دون قصد. بهدوء، تتسرّب الأحكام المسبقة والتنميط إلى يومياتنا: في اختيارنا الشخص الذي نود أن نجلس قربه في الحافلة، في حكمنا على شخص من مظهره، في الراحة الغريبة التي نشعر بها تجاه "من يشبهنا"، في الطفل الذي نودّه أكثر، أو حتى الفريق الذي نحب أن نلعب باسمه في لعبة فيديو.

جميلات... ولكن 
تذكر م.ن.، خبيرة تجميل، أن كثر من زبائنها يسألونها باستغراب: "لماذا لم تقومي بتحديد الفك (جولاين)؟" وكأن عملها في مجال التجميل يُلزمها بالخضوع لمعايير لا تتوقف عن التغير. تقول: "أحب شكلي كما هو. لا أمانع الخضوع لأي إجراء تجميلي إذا اقتضت الحاجة، لكنني أرفض الركض خلف موضة تتبدل كل يوم، أو أن يُطلب مني أن أتشبّه بفنانة ما".

لكن المفارقة أنها تعترف، بصراحة، أنها أحيانا تحكم على النساء الأخريات، خصوصا كبيرات السن اللواتي يبالغن في استخدام أدوات وعمليات التجميل أو الإطلالات الصارخة.

رانيا، وهي خبيرة تجميل أيضا، تروي واقعة مشابهة: "قمت بفحص سيدة، وقدّمت لها ملاحظات مهنية حول بعض التعديلات الممكنة. فكان ردها: ‘كيف تعملين في مركز تجميل وأنت لم تقومي بأي تعديل على وجهك؟’" وقد جاء جوابها التالي: "بحب شكلي هيك". تضيف أن أكثر ما أزعجها ليس سؤال السيدة بحد ذاته، بل الافتراض الضمني بأن العاملين في مجال التجميل يجب أن يكونوا "نماذج حيّة" للمعايير الجمالية الرائجة، وإلا فهم مقصّرون.

تعبيرية (انترنت)

"مكانك ورا، مدام"
على متن طائرة، كانت سيدة محجبة تتجه لمقعدها في درجة الأعمال، فقابلتها المضيفة بعبارة: "مكانك ورا، مدام". ردّت السيدة: "ليش افترضتِ إني مش عارفة مقعدي؟ أو إني مش قادرة إحجز بزنس؟".

لوجين، طالبة جامعية، كانت تبحث عن شقة للإيجار. راسلت صاحب أحد الإعلانات على "فيسبوك"، فجاءها الرد: "عذرا، الشقة لم تعد متاحة." بعد وقت قصير، تواصلت صديقتها - غير المحجبة - مع الشخص ذاته، فجاءها الجواب: "نعم، الشقة ما تزال متوفرة".

الاختلاف الوحيد بين الطالبتين؟ الجواب عندك. 

"لا أمانع الخضوع لأي إجراء تجميلي إذا اقتضت الحاجة، لكنني أرفض الركض خلف موضة تتبدل كل يوم"

"ناطرك تبلشي تلبسي قصير"
واجهت جيني، لبنانية مقيمة في الخارج، كثيرا من الأحكام المسبقة بمجرد ذكر جنسيتها. تقول: "كان يُتوقّع مني أن أرتدي التنانير والفساتين القصيرة. حتى مديرتي في العمل كانت تقول لي: 'غريب، أنتِ لبنانية ولا تلبسين مثل بقية اللبنانيات! دائماً ترتدين البناطيل والملابس الرسمية'".

وبعد عودتها إلى لبنان، لم يتغيّر الأمر. تقول: "في أحد أماكن العمل، قال لي مديري: 'بانتظارك أن ترتدي القصير. أنتِ في لبنان الآن، ويجب أن تلبسي بطريقة تجذب الزبائن'".

"وطني أولاً..."
جنا، التي انتقلت إلى لندن بحكم عملها، لا تُخفي تعصّبها للبنان. تقول: "أحيانا ننتقد بلدنا بين بعضنا البعض، وهذا طبيعي. لكن إذا صدر الانتقاد من شخص غير لبناني، أشعر بالاستفزاز. في لبنان طاقات عظيمة، وبعض الأمور فيه أفضل حتى من تلك الموجودة هنا".

أما ندى، فتقول بوضوح: "ربما موقفي ليس صائبا، لكنني أقيّم الآخرين بحسب موقفهم من لبنان. إما أن يحبّوه، أو على الأقل لا يتحدثوا عنه بسوء".

"عنصرية 3D"
في أحد المنتجعات شمالي لبنان، اقترب عناصر الأمن من سيدة من أصل آسيوي (في السلك الديبلوماسي)  كانت في بركة السباحة وأصرّوا على إخراجها بالقوة، ظنّاً منهم أنها عاملة منزلية. هنا نواجه حالة عنصرية ثلاثية الأبعاد: حيث يُفترض العرق من لون البشرة، وتفترض المهنة بناءً على هذا العرق، ويتجسد التحيّز الأشد بإلغاء إنسانية العاملة وحرمانها من حقها الطبيعي في الاستجمام والسباحة.

هل تجيد المرأة القيادة؟

ترى الاختصاصية في العلوم الاجتماعية والعلاقات العامة، ناديا علامة، أن الإنسان يُكوِّن أحياناً رأياً عن فئة من الأشخاص بطريقة سطحية، دون دراية أو معرفة حقيقية، ويعود السبب في الغالب إلى عوامل تربوية، أي إلى الطريقة التي رأينا من هم أكبر منا سناً يتعاملون بها مع هذا الشخص أو ذاك.

وفي حديث لـ "النهار"، تصف علامة هذا السلوك بأنه "ردود فعل غير واعية وغير مقصودة، وهو تقليد محض لما نشأنا عليه في بيئتنا الأسرية".

وعن مخاطر التنميط، تؤكد أنها خطيرة. لماذا؟ تقول: "لأنني بذلك أعيد إنتاج الدورة المجتمعية نفسها بما تحمله من سلبيات. نحن قدوة لأطفالنا، والمطلوب ألا أُورِّث أفكاري لأطفالي، وفي الوقت نفسه، ألا أُبالغ في ردة فعلي عندما ألتقي بشخص يختلف عني".

كيف نتخلص من التنميط؟ تشير علامة إلى أن "علينا كأفراد أن نراجع أنفسنا كلما لاحظنا أننا ننظر إلى شخص ما بنظرة دونية أو نمطية، ونتساءل: هل كانت نظرتي هذه نتيجة تعميم أم مستندة إلى واقع فعلي؟ فمع أن الأمر ليس سهلاً، من الضروري أن ننتبه ونعمل على المراجعة الذاتية".

تعبيرية (انترنت)

أما في ما يخص الأطفال، فتقول: "كل شيء يبدأ من التربية، ويجب أن أكون واعية عند تربية هذا الفرد المجتمعي الصغير. والأطفال أحياناً يكتسبون مواقف نمطية من الرفاق أو وسائل التواصل، لا من الأهل، وهنا يجب أن أفتح مع طفلي حواراً بسيطاً وأسأله: لماذا تعاملت مع هذا الشخص بهذه الطريقة؟".

وتشدد على ضرورة أن يكون الحوار غير ممل، بل أشبه بتنبيه لطيف يُظهر للطفل أن "هذا الشخص لم يرتكب أي خطأ".
وتلفت إلى أن "أحياناً، تكون الضحية والجلاد من الفئة نفسها. مثلاً، عندما تقول امرأة تقود سيارتها عن أخرى تأخرت في ركن سيارتها: 'أكيد هذه امرأة'، فإنها تنقل تلقائياً لأولادها فكرة أن النساء لا يُجدن القيادة".

وعن دور الدولة، تقول: "يجب أن تلعب وزارتا الإعلام والتربية دوراً أكبر، من خلال إدخال صور تمثل فئات مجتمعية مختلفة في الكتب، كطفل على كرسي متحرك، أو امرأة محجبة، فكل الأنماط يجب أن تكون حاضرة. ولا يشترط أن تعالج النصوص هذه المواضيع بشكل مباشر، فالصورة وحدها كفيلة بزرع الفكرة في ذهن الطفل، بحيث يتعامل لاحقاً مع المختلف عنه من دون نفور. الأمر نفسه ينطبق على كتب المطالعة، وليس فقط على الكتب المدرسية. أما وزارة الإعلام، فعليها أيضاً دور في إظهار الأفراد في البرامج والإعلانات بصورة دامجة وشاملة".  

قد لا نوقف العنصرية والتنميط والأحكام المسبقة، لكننا نملك القرار بألا نكون وسطاء لها. دعونا ننزِل مطارق الأحكام. فالملائكة في السماء، وبالتأكيد... لسنا منهم.  والأهم، أن نحذر من التمادي في لعب دور الضحية، وإلقاء اللوم على مظهرنا أو جنسنا أو طائفتنا في كل فشل.