أتناول اليوم موضوع استكمال قصة تابوت العهد والادعاءات الصهيونية، وما يمارسه الكيان الصهيوني من محاولات ربطه بدير سانت كاترين، سعياً لإفساد العلاقات المصرية مع أثينا.
على الرغم من عدم وجود علاقة مباشرة أو أدلة أثرية تدعم الربط بين دير سانت كاترين وتابوت العهد اليهودي، فإن للموقع دلالات دينية عميقة، وهو ما استغلته الصهيونية العالمية لخلق أزمات سياسية ضد الدولة المصرية من أجل السيطرة على سيناء.
بعد الفشل الذريع لبني صهيون في تنفيذ خطة التهجير القسري لأهالي غزة إلى سيناء عبر عدة ضغوطات وترهيب، حاولت إسرائيل استغلال النزاع حول الأراضي المحيطة بدير سانت كاترين لإثارة التوترات السياسية بين مصر وأثينا.
في مايو 2025، عاد دير سانت كاترين في جنوب سيناء إلى دائرة الضوء الإعلامي والقانوني والدبلوماسي عقب صدور حكم قضائي يتعلق بملكية بعض الأراضي المحيطة به. هذا الأمر أعاد تسليط الضوء على العلاقات التاريخية والدينية التي تربط هذا الدير المميز بمصر والكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، بالإضافة إلى الرمزية الدينية العميقة للموقع ذاته وعلاقته بجبل موسى وتاريخ الوحي.
في 28 مايو 2025، أصدرت محكمة استئناف الإسماعيلية حكماً في نزاع قانوني يعود إلى عام 2012 يتعلق بملكية 71 قطعة أرض تحيط بالدير.
أبرز ما تضمنه الحكم هو تأكيد ملكية الدولة المصرية للأراضي التي ليست لها مستندات رسمية.
كما أُلزمت الرهبان بإخلاء 14 قطعة أرض من هذه الأراضي، مع السماح لهم بالاستمرار في استخدام الأراضي التي تمتلك عقوداً رسمية، كما شدد الحكم على احترام الدولة لحرية ممارسة الشعائر الدينية للرهبان.
في أواخر عام 2024، تم التوصل إلى مسودة اتفاق لم تُوقع رسمياً بعد، يتضمن منح الطائفة الأرثوذكسية اليونانية حق الملكية الدينية لأراضي الدير، والحفاظ على الاستقلال الإداري والروحي للدير، والتعاون بين الدولة والدير في حماية البيئة وصيانة الآثار.
أثار الحكم القضائي ردود أفعال متباينة، حيث أبدت الكنيسة الأرثوذكسية في اليونان والقدس والقسطنطينية قلقها من تأثير الحكم على استقلالية الدير، بينما أكدت الحكومة المصرية التزامها بحماية الدير وحرية العبادة، مشيرة إلى أن النزاع هو فقط إداري وقانوني.
يُعتبر دير سانت كاترين من أقدم الأديرة المسيحية في العالم، تم بناؤه في القرن السادس الميلادي في موقع مقدس عند سفح جبل موسى. وتُشرف الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية على إدارته الروحية، مما يعكس علاقة وثيقة بين أثينا والدير. يُعتبر الدير مركزاً روحياً وثقافياً متميزاً، ويُحظى بتقدير عالمي لتراثه الديني والإنساني الفريد.
تم إنشاؤه بأمر من الإمبراطور جستنيان الأول في القرن السادس الميلادي، تحديداً بين عامي 548 و565 ميلادية، خلال فترة حكمه للإمبراطورية البيزنطية.
أُقيم الدير حول شجرة العليقة المشتعلة التي يُعتقد أن النبي موسى عليه السلام كلم الله عندها، مما يعطي الموقع قدسية خاصة في جميع الديانات السماوية.
بُني لحماية الرهبان الذين كانوا يعيشون في المنطقة وحماية هذا المكان المقدس، وسُمّي لاحقاً “دير القديسة كاترين” بعد أن قيل إنه قد تم العثور على رفاتها هناك.
الدير محصن بأسوار حجرية سميكة، وقد صُمم ليكون قلعة وديراً في ذات الوقت، ويحتوي على واحدة من أقدم المكتبات في التاريخ، تضم آلاف المخطوطات النادرة.
يجمع مزيج التصميم والعمارة بين الأسلوب البيزنطي والتقاليد المسيحية المبكرة، ويحتوي على “شجرة العليقة” التي شهدت تجلي النبي موسى عليه السلام.
هذه الرمزية جعلت من المكان محور التقاء للديانات السماوية الثلاث.
وتتجلى أهمية الدير في محتوياته، حيث يضم رفات القديسة كاترين محفوظة داخل الكنيسة الرئيسية، ومكتبة الدير التي تُعد ثاني أكبر مكتبة للمخطوطات بعد الفاتيكان، بالإضافة إلى شجرة العليقة، التي يُقال إنها لم تحترق رغم اشتعالها.
تتضمن العهدة النبوية، التي يُنسب إصدارها لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ضمانات وحماية للرهبان.
دير سانت كاترين ليس مجرد موقع أثري أو مؤسسة دينية، بل هو رمز روحي عالمي. والنزاع القانوني حول الأراضي المحيطة به يجب ألا يُخفي القيمة الحقيقية للمكان بوصفه معبراً عن تداخل الأديان، وتاريخ البشرية، وروح التعاون بين الشعوب. ومصر هي الحامي لهذا الإرث العظيم.
أما بالنسبة لعلاقة الدير بتابوت العهد، فلا توجد أدلة أثرية أو دينية قاطعة تربط بين تابوت العهد ودير سانت كاترين، لكن هناك نقاطاً جديرة بالذكر. يُعتقد أن سيدنا موسى تلقى الوصايا العشر على جبل سيناء، وهو الجبل الذي يقع عنده دير سانت كاترين، مما يقوي الصلة بين الموقع وتاريخ تابوت العهد. الافتراض أن الألواح المحفوظة داخله نُزّلت على هذا الجبل يزيد من قوة الرابط.
على الرغم من أن بعض النظريات غير المثبتة تشير إلى إمكانية نقل أو إخفاء التابوت في أماكن جبلية نائية، بما في ذلك جبل سيناء، إلا أنه لا توجد إشارات مكتوبة أو اكتشافات أثرية بدير سانت كاترين تؤكد وجود التابوت هناك، مما ينقض ادعاءات بني صهيون. الدير يجمع رموز دين كبيرة: موسى، والعليقة، وكتابات من التوراة والإنجيل والقرآن، مما يمنح الموقع بعداً روحياً مرتبطاً بتاريخ تابوت العهد، الذي لم يتم العثور عليه مطلقاً، ولا توجد أدلة تاريخية تؤكد أنه وصل إلى دير سانت كاترين.
ومع ذلك، تبقى الروابط الرمزية والدينية بين جبل سيناء (حيث يقع الدير) وتاريخ التابوت قوية، وذلك لأن الحدث الرئيسي (تسليم الوصايا) وقع على هذا الجبل وفقاً للديانات السماوية.
تعليقات