مصر في مواجهة المخاطر المتعددة: تحليلات جديدة حول قافلة السموم
بينما تستعد مصر لعبور مرحلة حاسمة في تاريخها، وتخطو بثبات نحو تعزيز استقرار الدولة الحديثة في محيط إقليمي مليء بالتحديات، تظهر بين الحين والآخر محاولات يائسة تهدف إلى النيل من وحدة المصريين وزعزعة الثقة بين الشعب ومؤسساته. تستهدف هذه المحاولات التأثير على معنويات الدولة من الداخل، مستخدمة أدوات جديدة تتخفى خلف شعارات مضللة وأسماء ظاهرة للعاطفة، لكن جوهرها يحمل سُمًّا يهدف إلى هدم ما أنجزته الدولة وزعزعة استقرار البلاد بعد سنوات طويلة من الفوضى والدم.
ولعل ما يُعرف بـ “قافلة الصمود” هي مثال آخر على هذه الأدوات الجديدة، حيث خرجت تحت زعم الإنسانية، في حين أنها كانت جزءًا من استراتيجية إعلامية خبيثة تقصد تشويه الصورة الحقيقية للدولة المصرية والتشكيك في مواقفها من القضايا العربية، وخاصة القضية الفلسطينية، التي لم تتخلَ عنها مصر يومًا وظلت حاضرة في وجدان سياستها الخارجية وعقيدتها الوطنية.
لقد لاحظنا جميعًا، مثلما شعر كل مصري محب لوطنه، كيف تم الترويج لهذه القافلة، وكيف سعت بعض الأطراف، داخل وخارج مصر، إلى تضخيم وجودها ومنحها طابعًا نضاليًا وهميًا. كان الهدف واضحًا منذ البداية: استفزاز الدولة المصرية والإساءة إلى مؤسساتها، وخلق حالة من الشك والبلبلة في الرأي العام المصري تجاه قيادة بلاده. ما حدث لم يكن تعبيرًا حقيقيًا عن التضامن مع الشعب الفلسطيني كما زعم المنظمون، بل كان محاولة جلية لإظهار صورة زائفة تُظهر أن مصر تتجاهل واجبها أو أنها تغلق أبواب المساعدة أمام الأشقاء. لكن هذه الادعاءات لا تتماشى مع حقيقة أن مصر وحدها – دون سواها – فتحت معبر رفح رغم الظروف الخطرة، وقدمت المساعدات الإنسانية والطبية، واستقبلت وحدها عشرات الآلاف من النازحين، بينما الآخرين يتاجرون بالقضية على منصاتهم.
إن ما حدث يمثل جزءًا من سيناريو أوسع يُعيد استخدام أدوات الفوضى القديمة بشكل جديد. لم تعد المؤامرات تستهدف العواصم، بل تتوجه نحو الشعوب عبر الأبواب العاطفية، مستغلة اللغة الإنسانية والرموز الثقافية والدينية، بينما تسعى في عمقها إلى تفكيك الثقة بين المواطن ودولته. نحن نشهد محاولة منظمة لاختراق وعي المصريين وتحفيزهم ضد وطنهم، ما يشير إلى أن الدولة أصبحت مُتحدّى، وهي حيلة مكشوفة جُرّبت من قبل وسقطت، وستسقط الآن أيضًا لأن مصر قد تغيرت وشعبها كذلك.
لقد أصبح المواطن المصري اليوم أكثر وعيًا وقوة مما كان عليه قبل عشر سنوات. عاش تجارب قاسية وتجاوز لحظات مصيرية، وأصبح لديه رؤى أكثر وضوحًا لطبيعة المعركة التي تُخاض ضده. المشاعر وحدها لم تعد تكفي لتحريكه، بل أصبح لديه القدرة على التمييز بين الحق والادعاء، بين التضامن الحقيقي والتخريب المقنّع، ويدرك من يدعم فلسطين بصدق ومن يستغل معاناتهم للطعن في مقدرات الدولة المصرية.
وفي خضم هذا الوضع، تتحمل الدولة، بمؤسساتها ورجالها الأوفياء، مسؤولية مواجهة هذه المحاولات المسمومة وتفويض المؤامرات بهدوء وكفاءة، بالتعاون مع الإرادة الشعبية العارفة التي تلقت الرسالة وفهمت اللعبة ورفضت الانجرار إلى مخططات تصب في مصلحة خصوم الوطن. فقد تمكنت مصر – وستظل – من الصمود أمام كل محاولات الانكسار، ليس فقط بفضل قوتها العسكرية، بل أيضاً بفضل وعي شعبها ومؤسساتها الأمنية اليقظة، وقيادتها السياسية التي تجيد قراءة الواقع وتحسن إدارة الأزمات بحكمة وصبر.
وفي هذا السياق، ينبغي أن نقف بإجلال أمام الجهود التي يبذلها الرئيس عبد الفتاح السيسي في مواجهة الضغوط والتحديات اليومية، وهو يقود سفينة الوطن وسط معتركات من الأزمات والمواجهات. إنه لا يتعامل مع عدو واضح بحدود جغرافية، بل يواجه كيانات إعلامية ومجموعات ضغط تحاول أن تمنع مصر من الازدهار والاستقلال. ومع ذلك، يبقى ثابتًا، يتصرف بخطامين يتجاوزان اللحظة ويحسب خطواته بدقة، لأنه يدرك عبء إعادة بناء دولة كادت أن تضيع. إن على الجميع أن يدعموه، لا كعبء عليه، بل كداعم له، لأن صموده يساهم في صمود الوطن.
نحن أمام لحظة وطنية تستلزم أن نتحد جميعًا. يجب أن نفهم أن المعركة ليست مجرد قافلة أو مساعدة، بل تتعلق بهوية الدولة وسيادة الوطن واستقرار الأمة. لم يعد هناك مجال للمزايدات أو الحياد. إما أن نكون مع بلدنا، أو نختار الوقوف مع من يرغب في هدمه. مصر اليوم لا تقبل الولاءات النصفية ولا تُخدع بالشعارات الزائفة. إن مصر تستطيع أن تقرأ النوايا قبل الكلمات، وتفرض حسابها على المواقف، وليس على التغريدات.
في الختام، التاريخ لن يرحم من تخلى عن وطنه عند أول مفترق طرق، أو من تآمر على بلاده بدعوى النضال. ومصر، رغم كل الضغوط، ستبقى واقفة، فحضورها لا يقاس بحملة أو قافلة، بل بحضارتها العريقة ووعي شعبها وعدالة قادتها. ومن يراهن على سقوطها، ينبغي له أن يعيد قراءة التاريخ، لأن مصر لا تُحاصر، بل تُحترم… لا تُ deceive, بل تُفشل… لا تنهار، بل تنهض أقوى مع كل تحدٍ. ستبقى مصر، لأنها فكرة أكبر من أن تُمحى، وحضارة أقدم من أن تُشوه، ودولة أقوى من أن تنكسر.
تعليقات