أوضح الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، عبر صفحته الرسمية على فيس بوك أن عبارة (طلب الحق غربة) تعني أن معظم الناس يسعون وراء الباطل، فإذا قرر فرد من الناس البحث عن الحق، فإنه يبدو كأنه غريب بينهم. وقد قال النبي – ﷺ -: (فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا، الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ).
وأضاف: لذا فمن الضروري الصبر على الحق حتى وإن كنت وحدك. وأشار ﷺ إلى ذلك بقوله: (عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ، فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِيُّ – ويعني نبيًا معينًا – مع الرجل، والنبي معه الرجلان، والنبي معه الرهط، والنبي ليس معه أحد). فالحق يُعرف بالحق، وليس بالرجال، بل تُعرف الرجال من خلال الحق.
وأكد أن النبي – ﷺ – يأمرنا بالتمسك بالحق حتى لو كنا وحدنا. كما قال الحسن رضي الله عنه: (إن بعض الناس قد خُدعوا بالله الغرور، واعتقدوا أنهم يحسنون الظن بالله ولكنهم كذبوا؛ لو كانوا يحسنون الظن لعملوا بالصالح).
مقياس معرفة الحق والباطل
أوضح علماء الأزهر الشريف أن هناك نوعًا آخر من الخلط يحدث في المجتمع، ينتج عن تداخل أهل الحق وأهل الباطل، مما يصعب معه التمييز بين هؤلاء وأولئك.
تداخل أهل الحق وأهل الباطل
واصل علي جمعة حديثه عبر صفحته الرسمية على فيس بوك بأن المؤمن يحتاج إلى نوع خاص من التمييز في ظل هذا الاختلاط بين الحق والباطل، ولذا دعا الله الناس إلى طلب هداية طريق أهل الحق، والابتعاد عن طريق أهل الباطل، كما جاء في قوله تعالى: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) [الفاتحة: 7].
واستطرد: لكن المقياس الذي يعرف به الحق والباطل يعود إلى الأفكار والآراء، وليس إلى الأشخاص. فالرجال تُعرف بالحق، ولا يُعرف الحق بالرجال، والحق المطلق هو الله سبحانه وتعالى، ونتعرف عليه من خلال كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، واللذين يُعدان المقياس لمعرفة الحق والباطل. فلا عصمة لأحد غير الأنبياء، فهم مبلغو رسالات الله، أما غير الأنبياء فإن آراؤهم واجتهاداتهم تُقيَّم وفق معايير النصوص الشرعية.
وأضاف: إن الفرقان هو من البينات التي ميزت بين الحق والباطل، وبين أهل الحق وأهل الباطل، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم بُعث ليعرف الناس الحق من الباطل، أمره ربه سبحانه وتعالى أن يُخبرهم بأنه على بينة منه، كما جاء في قوله تعالى: (قُلْ إِنِّى عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّى وَكَذَّبْتُم بِهِ) [الأنعام: 57]. وأيضًا كتاب الله هو مقياس لمعرفة الحق، وقد وصفه الله بأنه بينة، كما جاء في قوله:(فَقَدْ جَاءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ) [الأنعام: 157].
وشدد: قد يضل الناس ويرون الباطل حقًا، وتستعصي عقولهم على الاستجابة لأمر الله. في هذه الحالة، يأمر الله الأنبياء بأن يُعلِّموا الناس أنهم على بينة، ويتركون لهم حرية الرأي والعقيدة، كما ذكر الله عنه نوحًا عليه السلام بقوله: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّى وَآتَانِى رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ) [هود: 28].
وأشار إلى ما ذكره الله عن قوم هود: (قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) [هود: 53]، حتى انتقل هود عليه السلام للحديث معهم كما حكاه القرآن بقوله: (فَإِن تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّى قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) [هود: 57].
كما أضاف أن من خصائص الفتنة أنها في بداية أمرها تكون مختلطة، وفي نهايتها تُعرف ويُنتبه لها. وفي الفتنة، يُطلب من المؤمن البعد عنها وعدم الدخول فيها، لأن النجاة تكمن في الفرار من الفتن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أحب شيء إلى الله تعالى الغرباء». فسُئل: ومن الغرباء؟ قال: «الفرارون بدينهم، يبعثهم الله يوم القيامة مع عيسى بن مريم عليهما السلام» [رواه أبو نعيم في حلية الأولياء].
وختامًا، أشار الإمام علي إلى الناس في الفتن قائلاً: «كن في الفتنة كابن اللبون، لا ظهر فيُركب، ولا ضرع يُحلب» [نهج البلاغة].
وشدد على أنه لا ينبغي أن يُفسر ذلك على أنه اعتزال المسلم المجتمع، بل يعني عدم السماح لنفسه بأن يُستدرج للفتن أو يعطيها شيئًا من نفسه.
تعليقات